سورة الدخان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}
قرئ: {إنّ شجرت الزقوم} بكسر الشين، وفيها ثلاث لغات: شجرة، بفتح الشين وكسرها وشيرة، بالياء. وروى أنه لما نزل {أذلك خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} [الصافات: 62] قال ابن الزبعرى: إنّ أهل اليمن يدعون أكل الزبد والتمر: التزقم، فدعا أبو جهل بتمر وزبد فقال: تزقموا فإنّ هذا هو الذي يخوّفكم به محمد، فنزل {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم (43) طَعَامُ الأثيم (44)} [الدخان: 44] وهو الفاجر الكثير الآثام.
وعن أبي الدرداء أنه كان يقرئ رجلاً فكان يقول طعام اليثيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا. وبهذا يستدل على أنّ إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئاً. قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة؛ لأنّ في كلام العرب خصوصاً في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر، وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية {كالمهل} قرئ: بضم الميم وفتحها، وهو دردي الزيت. ويدل عليه قوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} [المعارج: 8] مع قوله: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} [الرحمن: 37] وقيل: هو ذائب الفضة والنحاس، والكاف رفع خبر بعد خبر، وكذلك {يَغْلِى} وقرئ: بالتاء للشجرة، وبالياء للطعام. و{الحميم} الماء الحار الذي انتهى غليانه: يقال للزبانية {خُذُوهُ فاعتلوه} فقودوه بعنف وغلظة، وهو أن يؤخذ بتلبيب الرجل فيجر إلى حبس أو قتل. ومنه {العتلّ} وهو الغليظ الجافي. وقرئ: بكسر التاء وضمها {إلى سَوَآءِ الجحيم} إلى وسطها ومعظمها.
فإن قلت: هلا قيل: صبوا فوق رأسه من الحميم، كقوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ الحميم} [الحج: 19] لأنّ الحميم هو المصبوب لا عذابه؟ قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عليه عذابه وشدّته، إلا أنّ صب العذاب طريقة الاستعارة، كقوله:
صُبَّتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ الدَّهْرِ مِنْ صَبَبِ ***
وكقوله تعالى: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} [البقرة: 250] فذكر العذاب معلقاً به الصب، مستعاراً له، ليكون أهول وأهيب يقال: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم (49)} على سبيل الهزؤ والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه.
وروي أنّ أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً. وقرئ: «إنك» بمعنى: لأنك.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قرأ به على المنبر {إِنَّ هذا} العذاب. أو إن هذا الأمر هو {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي تشكون. أو تتمارون وتتلاجون.


{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)}
قرئ: {في مقام} بالفتح: وهو موضع القيام، والمراد المكان، وهو من الخاص الذي وقع مستعملاً في معنى العموم. وبالضم: وهو موضع الإقامة. و{الأمين} من قولك: أمن الرجل أمانة فهو أمين. وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة؛ لأنّ المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. قيل: السندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه وهو تعريب استبر.
فإن قلت: كيف ساغ أن يقع في القرآن العربي المبين لفظ أعجمي؟ قلت: إذا عرب خرج من أن يكون عجمياً؛ لأن معنى التعريب أن يجعل عربياً بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب {كذلك} الكاف مرفوع على الأمر كذلك. أو منصوب على: مثل ذلك أثبناهم {وزوجناهم} وقرأ عكرمة {بحور عين} على الإضافة: والمعنى: بالحور من العين؛ لأن العين إما أن تكون حوراً أو غير حور، فهؤلاء من الحور العين لا من شهلهن مثلاً. وفي قراءة عبد الله: {بعيس عين} والعيساء: البيضاء تعلوها حمرة وقرأ عبيد بن عمير {لا يذاقون فيها الموت} وقرأ عبد الله {لا يذوقون فيها طعم الموت}، فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى- المذوقة قبل دخول الجنة- من الموت المنفي ذوقه فيها؟ قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله: {إِلاَّ الموتة الأولى} موضع ذلك؛ لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها. وقرئ: {ووقاهم} بالتشديد {فَضْلاً مّن رَّبِّكَ} عطاء من ربك وثواباً، يعني: كل ما أعطى المتقين من نعيم الجنة والنجاة من النار. وقرئ: {فضل} أي: ذلك فضل.


{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}
{فَإِنَّمَا يسرناه بِلَسَانِكَ} فذلكة للسورة. ومعناها: ذكرهم بالكتاب المبين (فإنما يسرناه) أي: سهلناه، حيث أنزلناه عربياً بلسانك بلغتك إرادة أن يفهمه قومك فيتذكروا {فارتقب} فانتظر ما يحل بهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} ما يحل بك متربصون بك الدوائر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» وعنه عليه السلام: «من قرأ سورة حم التي ذكر فيها الدخان في ليلة جمعة أصبح مغفوراً له».

1 | 2 | 3 | 4 | 5